لم يكن سقوط ما يقارب من ثلاث مائة شهيد في قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي الهمجي لسكان هذا القطاع الأكثر ازدحاما على وجه البسيطة ،ليمر بسهولة هنا في القاهرة ، ذلك أن خصوصية العلاقة مع القطاع لا تقتصر على القرب الجغرافي ( حيث لا تبعد المناطق المقصوفة أكثر من بضع مئات من الكيلومترات من الأراضي المصرية) بل تتجذر العلاقة نحو أبعاد أخرى أكثر خصوصية ، فكما تعلمنا الجغرافيا السياسية المعاصرة ، وتؤكده الوقائع الآنية أن تلك الخاصية تتمدد لتصنع التواريخ وتحدد المصائر المشتركة و المتشابكة ، حيث يصعب تصور فض الاشتباك بين الحدث هناك و آثاره المباشرة هنا ، أو تجنب تداعياته في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي ..
هكذا تبدو الصورة الأولية ، لكن عندما نتعمق أكثر في التاريخ ونضع الحقائق الماثلة أمامنا تحت مجهر التحليل نجد أن هذه البقعة الجغرافية التي تقدر مساحتها الكلية بحوالي 365 كم2، و لا يزيد طولها على 40 كم بينما يبلغ عرضها في أقصى اتساع له نحو 10 كيلو مترات، تمثل أعلى معدل للكثافة السكانية في العالم ، وهي التي تتمدد على المنطقة الرخوة من الجغرافيا المصرية الإسرائيلية بكل ما يحمله الإرث الطويل من التجاذب بين الطرفين سابقي الذكر ..وإذا ما تجاوزنا الجغرافيا الطبيعية ـ البشرية كمحدد رئيسي للعلاقة الخاصة بين مصر والقطاع،
فسوف نقف أمام الأبعاد التاريخية العميقة لخصوصية العلاقات بين غزة والقاهرة لعل أهمها أن هذه المنطقة ظلت خاضعة للحكم المصري بين عامي 1948 و1967 بعد انسحاب القوى الاستعمارية منها ، وظل القطاع يمتلك مفاتيح التعاطي المصري مع قضية فلسطين ، جغرافيا وديموغرافيا وحتى اقتصاديا وسياسيا باعتباره القنطرة التي تحمل هاجس أكبر يسمى " قضية فلسطين " –عندما كانت هذه الأخيرة هي " النقطة المركزية لكل العرب ناهيك عن القاهرة -.
وعلى الدوام ظل البعد السياسي والفكري والعقائدي يطل برأسه كلما طرقت أبواب "غزة" سواء في الانتفاضات والمقاومة او حتى التسويات السلمية والمشاريع الدولية حيال القضية ككل او القطاع بشكل خاص .
فقد ظل نظام ثورة 1952 ، يمنح القطاع خصوصية مع الانتباه إلى خطر تنامي دور بعض الحركات ذات التوجه "ألإخواني" في القطاع باعتبارها مصدر تهديد حينما دخل عبد الناصر في صدام مع "إخوان" مصر عام 1954. فلم يتمكن من إيجاد صيغة فصل بين الحركة الأم في مصر ( حركة الإخوان المسلمين ) وبين المتأثرين أو التابعين لخطابها في فلسطين وخاصة في غزة .. وذلك لم يكن غريبا حيث نشأت الحركة "الإخوانية" في غزة وفلسطين عموماً، نتيجة تمدد "الإخوان" المصريين في العالم العربي، حيث اتجهوا نحو الخارج بدءا بالأردن، ثم فلسطين.. ويذكر المؤرخون للتدليل على ذلك أن أول بعثة أخوانيه اتجهت إلى الخارج كان مقصدها القطاع في أغسطس 1935، وضمت محمد عابدين و أسعد الحكيم.
وفي حين دخلت العلاقة مع التنظيم " الأم" في مصر في مراحلها الحرجة كان على الدولة المصرية أن تتحسس جيدا حدودها الشرقية حيث تتنامي أدوار المنظمات " الإخوانية " التي أفرزت في العقود القليلة الماضية "حركة المقاومة الإسلامية -حماس – " كقوة لا يمكن تجاهل تأثيرها في الشارع الغزاوي خاصة .
وفي حين نجحت السياسية المصرية في العقد الماضي من عقد مقاربة صعبة تتمثل في الفصل المرحلي بين التوجه الفكري والعقدي لحركة حماس وبين الصراع الداخلي الدائر مع المنظمة " الأم " في القاهرة ، وذهبت بعيدا في اتجاه لعب أدوارا محددة للتقريب بين الفرقاء السياسيين داخل فلسطين خاصة حركتي فتح وحماس من جهة ، وإسرائيل والقوى الفلسطينية من جهة أخرى ، لم تكن القافلة لتمر بسلام دون مضاعفات الوضع المستجد بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية وتحقيقها للأغلبية، وبالتالي لتشكيل الحكومة ، القائمة وفقا لاتفاقيات "اوسلوا " التي لا تعترف بها حماس أساسا ، وهو التناقض الذي وجدت الحركة فيه نفسها بعد أن اتخذت قرار المشاركة في الاستحقاق الانتخابي ، وما نتج عن ذلك من تطورات الأوضاع الداخلية والدولية والإقليمية .
ولكن التطور الأكثر إثارة وإزعاجا للقاهرة تمثل في أحداث 14 جوان 2007 حينما سيطرت حماس على القطاع بعد مواجهات عسكرية مع شرطة " السلطة الفلسطينية " وحسمت المعركة لصالحها ، لتخضع القطاع لسيطرتها الكلية تماما .
كل تلك الوقائع والتداعيات المتلاحقة للحصار الذي فرضته إسرائيل على القطاع ، ظل عنصر ضغط كبير على القاهرة الرسمية ، بينما ظل الشارع يغلي بمطالب فك الحصار وإيصال الدواء ومستلزمات الحياة لسكان القطاع الذين يتجاوز عددهم المليون ونصف المليون .
ويبدو أن عبارة أن "قضية فلسطين قد أضحت مسألة إنسانية بحاجة إلى غذاء ودواء " تنطبق على واقع الحال بعد التقلبات التي عرفها القطاع تحديدا والقضية ككل .
الآن وبعد أن قررت اسرئيل القيام بعملية عسكرية واسعة ضد غزة ، كانت حصيلتها الأولية تتجاوز 200 قتيل -في يومها الأول- ، وبعد المطالبات الشعبية التي يغلي بها الشارع المصري والعربي ، لم يعد ممكنا الحديث عن " خصوصية العلاقات" في تجليها التاريخي والعقدي فقط ، هذا ما تقوله على الأقل الأقلام المصرية عبر أعمدة الصحف ، وما تردده الحناجر في مختلف منابر التظاهر والمسيرات ..
بينما تبقى قواعد اللعبة في حالها لا تراوح مكانها ، فلا "سلطة رام الله " تريد إنهاء حالة قطيعتها مع " غزة" واستدراك أن "القطاع جزء أصيل من فلسطين " ، تعزيزا لعنصر الوحدة الوطنية ، ولا حركة حماس تملك رغبة أكيدة في استنهاض ماضيها النضالي لتدرك ضرورة إعادة اللحمة للصف الفلسطيني من اجل التفرغ لمواجهة العدو الحقيقي بدلا من التناحر حول "سلطة افتراضية " .. بعيدا عن الاستثمار الرخيص لدماء الضحايا والمزايدة على أرواحهم من جهة ، ولا الدول العربية وجامعتها –العربية – تملك القوة والقدرة على إعادة تشكيل خارطة اللعبة بما يحقق النصرة والتمكين في حد الأدنى لسكان القطاع الذين يواجهون " التطهير " من اعتي قوة بالمنطقة .
في حين يبقى المجال متاحا ومناسبا للكيان الإسرائيلي في أن يمرح ويسرح يدمر ويقتل دون رقيب او حسيب مستثمرا حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني والتشرذم العربي إن لم نقل التواطؤ .
والى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا، يبدو أننا سنبقى في محطات الإذاعة والتلفزة نعرض الصور ونعيد تركيبها – في إعادة رتيبة لمشاهد التاريخ – نشجب ونندد دون أن نحدث شيئا يذكر .
:lol!:
هكذا تبدو الصورة الأولية ، لكن عندما نتعمق أكثر في التاريخ ونضع الحقائق الماثلة أمامنا تحت مجهر التحليل نجد أن هذه البقعة الجغرافية التي تقدر مساحتها الكلية بحوالي 365 كم2، و لا يزيد طولها على 40 كم بينما يبلغ عرضها في أقصى اتساع له نحو 10 كيلو مترات، تمثل أعلى معدل للكثافة السكانية في العالم ، وهي التي تتمدد على المنطقة الرخوة من الجغرافيا المصرية الإسرائيلية بكل ما يحمله الإرث الطويل من التجاذب بين الطرفين سابقي الذكر ..وإذا ما تجاوزنا الجغرافيا الطبيعية ـ البشرية كمحدد رئيسي للعلاقة الخاصة بين مصر والقطاع،
فسوف نقف أمام الأبعاد التاريخية العميقة لخصوصية العلاقات بين غزة والقاهرة لعل أهمها أن هذه المنطقة ظلت خاضعة للحكم المصري بين عامي 1948 و1967 بعد انسحاب القوى الاستعمارية منها ، وظل القطاع يمتلك مفاتيح التعاطي المصري مع قضية فلسطين ، جغرافيا وديموغرافيا وحتى اقتصاديا وسياسيا باعتباره القنطرة التي تحمل هاجس أكبر يسمى " قضية فلسطين " –عندما كانت هذه الأخيرة هي " النقطة المركزية لكل العرب ناهيك عن القاهرة -.
وعلى الدوام ظل البعد السياسي والفكري والعقائدي يطل برأسه كلما طرقت أبواب "غزة" سواء في الانتفاضات والمقاومة او حتى التسويات السلمية والمشاريع الدولية حيال القضية ككل او القطاع بشكل خاص .
فقد ظل نظام ثورة 1952 ، يمنح القطاع خصوصية مع الانتباه إلى خطر تنامي دور بعض الحركات ذات التوجه "ألإخواني" في القطاع باعتبارها مصدر تهديد حينما دخل عبد الناصر في صدام مع "إخوان" مصر عام 1954. فلم يتمكن من إيجاد صيغة فصل بين الحركة الأم في مصر ( حركة الإخوان المسلمين ) وبين المتأثرين أو التابعين لخطابها في فلسطين وخاصة في غزة .. وذلك لم يكن غريبا حيث نشأت الحركة "الإخوانية" في غزة وفلسطين عموماً، نتيجة تمدد "الإخوان" المصريين في العالم العربي، حيث اتجهوا نحو الخارج بدءا بالأردن، ثم فلسطين.. ويذكر المؤرخون للتدليل على ذلك أن أول بعثة أخوانيه اتجهت إلى الخارج كان مقصدها القطاع في أغسطس 1935، وضمت محمد عابدين و أسعد الحكيم.
وفي حين دخلت العلاقة مع التنظيم " الأم" في مصر في مراحلها الحرجة كان على الدولة المصرية أن تتحسس جيدا حدودها الشرقية حيث تتنامي أدوار المنظمات " الإخوانية " التي أفرزت في العقود القليلة الماضية "حركة المقاومة الإسلامية -حماس – " كقوة لا يمكن تجاهل تأثيرها في الشارع الغزاوي خاصة .
وفي حين نجحت السياسية المصرية في العقد الماضي من عقد مقاربة صعبة تتمثل في الفصل المرحلي بين التوجه الفكري والعقدي لحركة حماس وبين الصراع الداخلي الدائر مع المنظمة " الأم " في القاهرة ، وذهبت بعيدا في اتجاه لعب أدوارا محددة للتقريب بين الفرقاء السياسيين داخل فلسطين خاصة حركتي فتح وحماس من جهة ، وإسرائيل والقوى الفلسطينية من جهة أخرى ، لم تكن القافلة لتمر بسلام دون مضاعفات الوضع المستجد بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية وتحقيقها للأغلبية، وبالتالي لتشكيل الحكومة ، القائمة وفقا لاتفاقيات "اوسلوا " التي لا تعترف بها حماس أساسا ، وهو التناقض الذي وجدت الحركة فيه نفسها بعد أن اتخذت قرار المشاركة في الاستحقاق الانتخابي ، وما نتج عن ذلك من تطورات الأوضاع الداخلية والدولية والإقليمية .
ولكن التطور الأكثر إثارة وإزعاجا للقاهرة تمثل في أحداث 14 جوان 2007 حينما سيطرت حماس على القطاع بعد مواجهات عسكرية مع شرطة " السلطة الفلسطينية " وحسمت المعركة لصالحها ، لتخضع القطاع لسيطرتها الكلية تماما .
كل تلك الوقائع والتداعيات المتلاحقة للحصار الذي فرضته إسرائيل على القطاع ، ظل عنصر ضغط كبير على القاهرة الرسمية ، بينما ظل الشارع يغلي بمطالب فك الحصار وإيصال الدواء ومستلزمات الحياة لسكان القطاع الذين يتجاوز عددهم المليون ونصف المليون .
ويبدو أن عبارة أن "قضية فلسطين قد أضحت مسألة إنسانية بحاجة إلى غذاء ودواء " تنطبق على واقع الحال بعد التقلبات التي عرفها القطاع تحديدا والقضية ككل .
الآن وبعد أن قررت اسرئيل القيام بعملية عسكرية واسعة ضد غزة ، كانت حصيلتها الأولية تتجاوز 200 قتيل -في يومها الأول- ، وبعد المطالبات الشعبية التي يغلي بها الشارع المصري والعربي ، لم يعد ممكنا الحديث عن " خصوصية العلاقات" في تجليها التاريخي والعقدي فقط ، هذا ما تقوله على الأقل الأقلام المصرية عبر أعمدة الصحف ، وما تردده الحناجر في مختلف منابر التظاهر والمسيرات ..
بينما تبقى قواعد اللعبة في حالها لا تراوح مكانها ، فلا "سلطة رام الله " تريد إنهاء حالة قطيعتها مع " غزة" واستدراك أن "القطاع جزء أصيل من فلسطين " ، تعزيزا لعنصر الوحدة الوطنية ، ولا حركة حماس تملك رغبة أكيدة في استنهاض ماضيها النضالي لتدرك ضرورة إعادة اللحمة للصف الفلسطيني من اجل التفرغ لمواجهة العدو الحقيقي بدلا من التناحر حول "سلطة افتراضية " .. بعيدا عن الاستثمار الرخيص لدماء الضحايا والمزايدة على أرواحهم من جهة ، ولا الدول العربية وجامعتها –العربية – تملك القوة والقدرة على إعادة تشكيل خارطة اللعبة بما يحقق النصرة والتمكين في حد الأدنى لسكان القطاع الذين يواجهون " التطهير " من اعتي قوة بالمنطقة .
في حين يبقى المجال متاحا ومناسبا للكيان الإسرائيلي في أن يمرح ويسرح يدمر ويقتل دون رقيب او حسيب مستثمرا حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني والتشرذم العربي إن لم نقل التواطؤ .
والى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا، يبدو أننا سنبقى في محطات الإذاعة والتلفزة نعرض الصور ونعيد تركيبها – في إعادة رتيبة لمشاهد التاريخ – نشجب ونندد دون أن نحدث شيئا يذكر .
:lol!: