شاهدت كاريكاتيرًا لفنان برازيلي اسمه "كارلوس لاتوف" مؤلمًا للغاية، يصور سيدةً فلسطينيةً تستنجد لإنقاذ ابنها المريض الذي يجلس على سرير، ومكتوب حولها: "غزة"؛ في إشارة أنها من أهالي غزة، في حين تقف سيارة الإسعاف التي ستنقذ ابنها على الجانب المصري لا تستطيع دخول غزة؛ نتيجة الحصار، والذي صوَّره رسام الكاريكاتير عن تشابك أيدي الرئيس المصري ورئيس وزراء الكيان الصهيوني، والذي تحيط أيديهم في تصوير رمزي لاشتراك مصر في حصار غزة مع الصهاينة!.
لا أستطيع كمدَ ضيقي وغيظي من هذا الكاريكاتير؛ الذي فضح دور النظام المصري في حصار غزة بطريقة معبرة واضحة..
وجدتني أقول:
وظلم ذوي القربة أشد مضاضةً على المرء من وقْع الحسام المهند
لا بد أن إخواننا في غزة يشعرون بمرارة لا مثيلَ لها مما يحدث لهم من حصار؛ خصوصًا من الجانب المصري الذي يشترك معهم في التاريخ والأرض والعرض والدين واللغة والمصير.
المذهل هو دور مصر في حصار غزة والمشاركة في إحكام الخناق عليها؛ يمكن أن نفهم ذلك من الجانب الصهيوني لطبيعته الخبيثة ولمصالحه ولعدائه الشديد لحماس، لكن ما لا نستطيع أن يفهمه أحد هو الموقف المصري.
لماذا كل هذا التفاني في إغلاق معبر رفح وفي تفجير الأنفاق، حيث تم خلال الأسبوع الماضي فقط تفجير 11 نفقًا تمدُّ أهلنا هناك بالطعام والشراب؟!
هل أصبحنا خدمًا للصهاينة نعمل لحسابهم؟ أم أنها تعليمات وتوجيهات من أمريكا؟! أم إنها الرغبة في إجهاض حكومة حماس وإذلالها؛ لأن نجاح مثل هذه التجربة الديمقراطية يُسبّب حساسيةً ومشكلاتٍ لمصر؛ لكونها حالةً إسلاميةً وصلت للسلطة عبر انتخابات غير مزوَّرة؟
ما يحدث مع أهلنا في غزة المحاصرين جريمةٌ إنسانيةٌ وأخلاقيةٌ؛ خلاف كونها جريمة سياسية لم يسبق لها مثيل.
نعلم جميعًا أن أهل غزة لا ذنب لهم ولا جريمة؛ إلا أنهم اختاروا حماس عن طريق الانتخاب الحر الشفاف، ولذلك فالجميع يريد أن يعاقبهم.
ويسأل الخبراء والمتخصصون: أين الدور السياسي لمصر في أمن غزة؛ لكونها عمقًا إستراتيجيًّا لمصر؛ ناهيك عن أن فلسطين كلها عمق إستراتيجي لمصر، وأن أي تقلبات واضطرابات تمثِّل ضررًا مباشرًا على مصر وأمنها؟!
لماذا لا يتم استخدام غزة ورقةً سياسيةً ضاغطةً؛ يتم المناورة بها ودعمها؛ حتى يكون لنا دور بعد أن انسحبت الدبلوماسية المصرية وتقلَّص دورها في المنطقة لأبعد الحدود، وأصبحت هناك دويلاتٌ صغيرةٌ تلعب سياسةً، وتقرب وجهات النظر بين دول وجماعات، ومصر محلك سر؟!
حتى الدور المصري في إفريقيا لم يبقَ له أثر أو وجود! الجميع له أوراق يلعب بها.. إيران لها أوراق في العراق ولبنان خلاف الملف النووي.. سوريا لها أوراق في لبنان.. ليبيا لها أوراق في إفريقيا..
للأسف.. النظام المصري ليس لديه أوراق يلعب بها سوى سحق الشعب المصري عامة والتيار الديني خاصة.. المونديال السياسي خرجنا منه بصفر أكبر من المونديال الرياضي.
وللنظام المصري أقول: أفيقوا.. الموقف المصري أصبح يجلب الخزي والعار.. دوركم في فك الحصار عن غزة مهم وضروري لمصلحتكم ولمصلحة مصر.. لن أتكلم عن القومية والعروبة والإسلام فهذه مفردات لن تفهموها.. لكن اجعلوا فك الحصار عن غزة مصلحةً لمصر.
عيب أن تحاصَر غزة بأيادٍ مصرية، وعيبٌ هذا التحكُّم الغريب في فتح وغلق المعبر من وقت لآخر والمشاركة في إذلال وتجويع وتركيع شعب صاحب أرض وحق.. وعيب أن يصل الحال إلى أن نشاهد كاريكاتيرًا بهذه الصورة الصادمة الموجعة الصادقة!.